الفقه معناه الإصطلاحي:
عبارة عن العلم بالأحكام الشرعية الثابتة لأفعال المكلفين خاصة(1) وفي عرف المتشرعين: الفقه مخصوص بالعلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعية الفروعية بالنظر والاستدلال(2)
ولقد عرف العصر النبوى من البعثة إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعصر التشريع وهو الزمن الذي واكب تاريخ نزول آيات القرآن وسورة على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عصر النبوة (3)
وعصر الفقه: هو الزمن الذي راكب حركة الإجتهاد العلمي من المسلمين والمؤمنين بعد عهد النبوة إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة إن شاء الله تعالى والأساس الذي قام عليه الفقه الإسلامي كان التشريع الإسلامي(4)
نشأة الإختلافات الفقهية
ترجع إلى نشأة الإجتهاد في الأحكام الذي بدأ يسيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث استغنى الناس بالوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توسع بعد ذلك بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ويتوزع الصحابة في الأمصار رضوان الله عليهم (5) ثم توسع الإختلاف ونما في عهد التابعين ومن بعدهم حيث ظهر الأئمة المجتهدون في العواصم والأمصار الإسلامية ودونت مناهجهم وكثر أتباعهم (6)
واتسع نطاق الإجتهاد بعد عصر التابعين فكانت النتيجة اتساع نطاق الاختلاف بين الفقهاء(7) ويعبر الشيخ محمد أبو زهرة عن الاختلاف في هذا العصر قائلا: "تكونت مذاهب الأمصار وقد ابتدأ الإختلاف في المدائن بتكوين المدارس الفقهية فكان بالعراق مدرسة فقهية لها منهاج ثم بالحجاز ثم بالشام ثم كان الشهيد لهم مدرستهم ثم صار بعد ذلك في كل مدرسة رجل بارز يلتف حوله تلاميذ يمدهم بالرواية والدراية الفقهيه ويخرج المرويات ويبنى عليها ويدرس الواقعات ويعطيها أحكامها فكان بالكوفة أبو حنيفة وكان بالمدينة شيخها مالك وكان بالشام شيخها الأوزاعي وكان بمصر الليث بن سعد ثم جاءت الطبقة الثانية فكان الشافعي وأحمد وداود وتتابع من بعدهم الإجتهاد ثم الإنحياز المذهبي .. إلى التقيد بأراء الإمام.. إلى الجمود والوقوف عند ما انتهى إليه السابقون(
من هنا نفهم أن البيئة الإسلامية كانت من المرونة بحيث سمحت بخط التعدديات للأحكام الفقهية بالبقاء والاتصال قبل الدخول إلى عصور الظلام للحضارة الإسلامية توقف الإجتهاد وارتفع الصوت المنادى بالتقليد للسابقين وهذا ما حاول علماؤنا في العصر الحديث وقبلهم المجددون من محاربته والدعوة إلى إقتناء سنة الرسول وصحابته وعصور الإزدهار الحضاري الإسلامي حين سمحت لمثل هذه الإختلافات بالظهور دون اعتراض مادامت الأصول الإسلامية مجمع عليها يؤكد ذلك ما نستعرضه من صور لمثل هذه الإختلافات الفقهية المتنوعة
ــــــــــــــــــــ
1. المستصغى في علم الأصول: أبي حامد الغزالي ص 5
2. الآمدى: الأحكام في أصول الأحكام 1/5
3. ينظر إلى علم تاريخ نزول آيات القرآن الكريم وسورة : أحمد خالد شكري وعمران سميح ننزال ص33، مناع القطان: التشريع والفقه تاريخا ومنهاجا ص25
4. شرعية الإختلاف ص45
5. الإختلافات الفقهية حقيقتها، نشأتها، أسبابها: محمد أبو الفتح البيانونى ص19
6. أثر اللغة في إختلاف المجتهدين: عبد الوهاب عبد السلام الطويلة ص 14، 15
7. الإختلافات الفقهية لدى الإتجاهات الإسلامية المعاصرة، محمد عبد اللطيف محمود، ص116
8. تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية: لشيخ محمد أبي زهرة، ص270، دار الفكر العربي وينظر إلى الإنصاف في بيان أسباب الإختلاف للعلامة ولي الله الدهلوي ص30-34 تحقيق عبد الفتاح أبي غدة
صور الإختلافات على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
اختلاف الصحابة في حكم الصلاة فى بنى قريظة وذلك كما جاء فى حديث ابن عمر رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لانصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلى لم يُرد منا ذلك فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم(1) بالإضافة إلى ما سبق من قصة تأييد النخل. وكذلك عالج كل اختلاف وقع بين المسلمين فيما بينهم سواء أصابوا فى إجتهادهم أم لا. (2) أو مع غيرهم من المشركين وأهل الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هى أحسن. (3)
اختلاف الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
اختلف الصحابة في إمضاء جيش أسامة فرأى عمر وغيره من الصحابة التأني حتى يستتب الأمر للمسلمين ويرفض أبو بكر تأخير راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفاهم الله شر الأعراب وغيرهم(4) كما اختلفوا في فقال مانعي الزكاة واتفقوا في النهاية على رأي أبي بكر وكان نصر الله حليفهم
ومن أمثلة إختلافهم في الأحكام التفصيلية(5)
وذلك على سبيل المثال لا الحصر كما ذهب الكثير من الباحثين
1. ميراث الجد: فذعب إبن عباس إلى أن الجد يحجب الأخوة أيا كانوا من الميراث لإطلاق لفظ الأب عليه في القرآن وذهب آخرون كعمر وعلي وزيد إلى أن الأخوة الأشقاء أو الأب يقاسمون الجد في الميراث لاتحاد وجهتهم
2. اختلافهم في عدة الحامل المتوفي عنها زوجها فقال عمر وابن مسعود رضى اللله عنهما تفقد بوضع الحمل وقال على وابن عباس رضة الله عنهما تعقد بأبعد الأجلين
وعلى أساس إختلاف الصحابة وعدم انكار بعضهم على بعض استدل جمهور الفقهاء على جواز الإختلاف الفقهاء على جواز الإختلاف الفقهي أى في الفروع يحسب إصطلاحهم وثم تجويذه بين العلماء في العصور التالية وهم خارج الولاية السياسية(6) وتوصل العلماء إلى جواز الإختلافات الفقهيه والسياسيه في اجتهادات الخلفاء والأمراء من أولى الأمر من الصحابة.
وذلك بقاء على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع مسلما من ابداء رأيه المخالف له صلى الله عليه وسلم سواء كان من وزرائه أم من قادة الجيش أم من غيرهم وأنه أخذ بإجتهاد انهم كما في مكان موقعة بدر- إلا إذا تعارضت مع وحي منزل من الله وهذا دليل عملي من البيان النبوي على جواز الاختلاف في الاجتهاد الفقهي والسياسي بين المؤمنين مادامت له حدود شرعية وضوابط صحية وغايته المصالح العامة (7) وهكذا وجد للتعدديه مستقر مكين وسند شرعي وسجل حافل بالممارسات العملية في هذا الصدد من هنا نستطيع أن نفهم التسامح الكبير لأئمة الفقه في العصور المختلفة مع مخالفيهم.
ـــــــــــــــــــــــــ
1. رواه البخارى: كتاب صلاة الخوف ج3/ص109 ورواه مسلم كتاب الجهاد ج6 ص340
2. "التشريع والفقه في الإسلام تاريخا ومنهجا" مناع القطان، ص104، 105 وفيها أمثلة كثيرة على ذلك ومصادرها من كتب السنة الصحيحة
3. تاريخ الجدل: محمد أبو زهرة، الجدل في عصر النبوة ص40
4. الكامل في التاريخ ج2 ص334، ابن الأثير
5. الإختلافات الفقهية: لأبي الفتح البيانوني ص24،25 محمد عبد اللطيف محمود ص114
6. ينظر إلى: موقف الخلفاء العباسين من أئمة أهل السنة الأربعة ومذاهبهم وأثره في الحياة السياسية: عبد الحسين على أحمد، قطر1985
7. ينظرإلى مناع القطان "التشريع والفقه الإسلامي أهم القضايا التي اتفق عليها الصحابة والتي اختلفوا عيها ص133-153
التعددية الفقهية لدى الأئمة وخلق التسامح مع المخالفين
بداية نذكر أن العلماء أجمعوا على أن هذا الإختلاف محمود وله أدلته الكثيرة من الكتاب والسنة وهو جائز مادام لا يؤدي إلى الفرقة والتفرق وانصب على فروع الدين وليس أصوله بل هو عامل قوة ومتعة لأنه يحرك الطاقات العلمية والعملية لفهم الإسلام ونصرة الدين وأهله(1) ومن هؤلاء العلماء:
الشيخ أبو زهرة يقول: "إن اختلاف الأراء في الفروع الفقهية لها يدل على انحراف في الدين .. مادام أساسه طلب الحق ف‘نه يفتح للعقول الطريق للإختيار الصحيح فإنه من وسط اختلاف الأراء وتعرف أوجه النظر فيها ينبلج نور الحق ساطعا" (2)
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي" "يهمنى أن أذكر حقيقة لاغنى عنها وهى حاجتنا إلى تبنى فقه الاختلاف أو فقه الإئتلاف كما سماه أحد إخواتنا الباحثين وهو الذي نعرف منه أن الإختلاف في فروع الشريعة ضرورة ورحمة وسعة وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى اللهعليه وسلم وتابعوهم بإحسان والأئمة المرضيون فحاضرهم ذلك بل اختلفت اجتهاداتهم ولم تختلف قلوبهم وصلى بعضهم وراء بعض وأثنى بعضهم على بعض وهذا شأن الراسخين في العلم أما السطحيون والمهازيل فهم لا يطيقون أن يختلفوا مع أحد أو يختلف معهم أحد(3)
ويقول ولى الله الدهلوى موضحا روح التسامح والتي كان الأئمة يستظلون بها مع مخالفيهم وفهمهم الصحيح والعملي لمعنى الاختلاف "كان السلف لايختلفون في أصل المشروعات وإنما كان خلافهم في أولى الأمرين.. وقد عللوا كثيرا في هذا الباب بأن الصحابة مختلفون وأنهم جميعا على الهدى ولذلك لم يزل العلماء يجوزون فتاوى المفتين في المسائل الإجتهادية ويعملون في بعض الأحيان بخلاف مذهبهم.."(4)
ويقول أستاذ جمال البنا-مؤكدا على ما سبق- " أن الصحابة كانوا يختلفون في فتاويهم وأن هذا لم يؤثر أبدا على مشاعر المودة والتقدير المتبادلة وورث التابعون هذه الصفة عن الصحابة كما ورثها تابعوا التابعين.. وكانت وشائج التقدير والحب تربط بين الذين جمعهم وقت واحد مثل مالك والشافعي والليث ومحمد بن الحسن الخ وكان بعضهم يأخذ- في بعض المناسبات ببعض ما ذهب إليه الآخرون وكانوا جميعا ينهرون الناس عن أن يقلدوهم ويأمرونهم بأنعام النظر والتدبر" (5)
وهذا دليل على مدى حرصهم على إعمال العقل وتقدير المكانة من خلال توفرهم البيئة المناسبة لحرية الفكر وتعددية الأراء والسماحة وسعة الصدر التي تمتعوا بها في تقبلهم للرأي الأخر فأثروا الحياة وجعلوها أكثر خصبة ورحابة تكشف الناس على تنوعاتهم وتباينهم وتسعهم دون خصومات ومشاحنات لأنهم كانوا على وعي بأن هناك أسباب موجبة للإختلاف من مجتمع لآخر بل وحتى البيئة الواحدة
أسباب الإختلاف الفقهي وأدبه
هناك الكثير من الاؤلفات والبحوث التي قامت على دراسة هذه الظاهرة ولكن سنجاول إجمالها من منطلق التأكيد على فقد أصحابه للأسباب الموجبة للتعددية في الأفكار والأراء منها:
ـــــــــــــــــــــــــ
1. ينظر إلى شرعية الإختلاف ص42، الإختلافات الفقهيةص116
2. تاريخ المذاهب الإسلامية ص271
3. الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد ص343
4. الإنصاف في بيان أسباب الخلاف ص108
5. التعددية في مجتمع إسلامي: ص54
1- الاختلاف في ثبوت النص وعدم ثبوته(1)
2- الإختلاف في فهم النصوص الشرعية(2)
3- إختلاف القراءات(3)
4- عدم وصول الحديث إلى الفقهية(4)
5- الإعتقاد في عدم وجود دلالة في الحديث(5)
بالإضافة إلى أمور أخرى كثيرة يراها الفقهاء وعلماء الأصول منها طبيعة النفس فيها المتشدد فيها المتشدد وفيها المترخص وقد اشتهر في تاريخ الفقه ابن عمر بتشدده وابن عباس بترخيصه، واشتراط أمور لم يشترطها غيره في الحديث واعتبار شرع من قبلنا(6) بالإضافة إلطبيعة اختلاف ظروف كل بلد والذي حد بالإمام مالك إلى رفض أن يكون الموطأ مذهب رسمي لكل الأمصار الإسلامية حينما أراء الخليفة ذلك.
كما أن الخليفة أبوجعفر المنصور رفض ما اقترحه ابن المقفع فى رسالة الصحابة من الأخذ بإحدى وجهات النظر الفقهية.. ولكن الطبيعة التعددية المتفتحة للمجتمع الإسللامي حقبة النهضة والفتوة والثقة في النفس كانت أقوى من أن تستسلم للقيود أو الضوابط وظل الإجتهاد ساريا.."(7)
ومن دلائل التعددية الفقهية أن الفقهاء ألفوا كتب كثيرة في الإختلاف الفقهي وأدابه وأدب المناظرة والجدل وأسبابها ومسائلها منها
1. "إختلاف الفقهاء" لابن جرير الطبري (310هـ) (9)
2. كتاب "تأسيس النظر" لأبي زيد عبيد الله الدبوسي (430هـ)
3. كتاب "الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الإختلاف بين المسلمين في آرائهم" لابن السيد البلطيوسي (444 هـ)
4. :رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لابن تيميه (728 هـ)
5. "أسباب إختلاف الفقهاء" على الخفيف
6. "أدب الإختلاف في الإسلام" تأليف طه جابر العلواني(10)
وهذا دليل على أن الإختلاف كان حقيقة واقعة وكانت له آدابه وقد حفظ لنا التاريخ أمثلة لاتحصى للإختلافات مابين الأئمة ونماذج ردودهم على بعضهم مثل :
1. الرد على سير الأوزاعي كأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم
2. الرد على أبي حنيفة لأبي بكر بن أبي شيبة ضمن كتابه المصنف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإختلافات الفقهية ص28 ورفع الملام عن الأئمة الأعلام لابن تيمية ص10
(2) الخلاف بين العماء واسبابه وموقعنا منه: محمد صلاح العثيمين: ص13
(3) ينظر إلى الجامع لأحكام القرآن القرطبي ج6 ص91
(4) ينظر رفع الملام عن الأئمة الأعلام ابن تيميه ص60
(5) المرجع السابق ص15
(6) فتاوى معاصرة : يوسف القرضاوي ج2 ص123، 124
(7) التعددية في مجنمع إسلامي: ص55
(
شرعية الإختلاف: ص47،49
(9) دار الكتب العلمية بيروت وباقي الكتب نشرتها دور بيروت ودمشق قبل دار ابن زيدون ودار الفكر والمكتب الإسلامي
(10) نجلة الأمة القطرية العدد9
· الرد على محمد بن الحسن الشيباني للإمام الشافعي
· مادار بين الليث بن سعد إلى مالك بن أنس من مكاتبات تكشف عن الأدب الجم والتقدير المتبادل
· بيان الوهم والإبهام الواقعين في كتاب الأحكام لعبد الحق الإشبيلي لابن القطان
· إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث لابن قثيبة الدينوري وهذا كما يذكر أستاذنا جمال البنا قليل من كثير (1)
ومما يدل على المرونة التي تحلى بها الفكر الإسلامي والتأني عن التعصب المذهبي عن طريق مراجعة الأراء أو تصحيحها حين تقتضي الظروف لذلك دون أن تكون من الشخصيات البارزة لأعلام المذاهب قيدا بكمل الفكر ويسيق غوه ومساره الطبيعي والتي تأي فقهاء المذاهب عن هذا بتسامحهم وتواضعهم أمام الرأي الأخر
ويؤكدهذا المعنى د.يوسف القرضاوي حين معارضة للجمود الذي اتسم به الكثير من فقهاء العصر قائلا: تسمى هؤلاء أن الإمام الشافعي غير هذهبه في مدة زجيزة فكان له مذهب جديد ومذهب قديم وأن أصحاب أبي حنيفة خالفوه في أكثر من ثلث المذهب لإختلاف عصرهم عن عصره وقالوا لو رأى صاحبنا ما رأينا لقال بمثل ماقلنا أو أكثر والإمام أحمد تروى عنه في المسألة الواحدة روايات قد تبلع سبعا أو أكثر وما ذلك إلا لاختلاف الأحوال واللابسات وتغير الظروف والأوضاع في غالب الأحيان(2)
والحملة على عذا الجمود الذى يؤدي إلى ركود الحياة عارضها ابن الذى حمل الفقهاء الجامدين تبعة انحراف الحكام والأمراء باستحداثهم قوانين بمعزل عن الشرع(3). وبالتالي النظرة الأحادية والاستبداد والتعصب محل ذلك لا يحمل على افسلام وإنما على المسامين بانحرافهم عن منهج الإسلام بإفساحة المجال الأقصى درجات الحرية وإعمال العقل وصار هذا من المياديء السامية المعمول بهافي عصور الإزدهار الحضاري
وحين نطالع جهود علماء الفكر الإسلامي مجدديه الذين حاولوا تشخيص الأمراض التى تعانيها أمتنا وأدت بها إلى هذا التخلف الحضارى بعد أن كنا من الرواد والمعلمين للبشرية الحضارة بشقيها الهادى والروحي فإنهم أرجعوه إلى الجمود الذي تعالت الدعوات بترسيخه عن طريق التقليد للسابقين وانسحب ذلك على شتى مجالات الحياة التي دب فيها العقم حيث أن العقل هو الأساس لقيام أى حضارة منشورة وحين الأخذ يسنن الله في إعماله فإن الحضارة تقوم بغض النظر عن الجنس أو الدين وهذا مانجده في الحضارة الغربية(4)
أما نحن المسلمون الذين كثيرا مادعانا كتابنا إلى نبذ التقليد وإعمال العقل كما في قوله تعالى: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وأقسم سبحانه بالقلم في قوله "ن والقلم ومايسطرون" كل ذلك دلائل تؤكد إلى أهمية العلم والعمل والحركة في الأرض بإيجابية ولكننا للأسف نعمل سنن الله في قيام نهضتنا وعمل بها الآخرون فكان لهم الغلبة فى واقع الحياة. وإن كان هذا في الجانب المادى لأنهم قطعوا صلتهم بالوحي الإلاهي وتكون كلمة مدنيه هى الأصوب للتعبير عن حالة التقدم التي يعيشها الغرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التعددية في مجتمع إسلامي ص 54،55
(2) من فقه الدولة في الإسلام، الغلاف
(3) المرجع السابق
(4) ينظر إلى الأعمال الكاملة "محمد عبده" ، محمد عمارة والإسلام ومشروعات النهضة الحديثة المؤتمر الدولي الفلسفة المنعقد بكلية دار العلوم وأعمال المفكرين المسلمين من مثل مالك بن نبي ، لرفاعه الطهطاوي، جمال الدين الأفغاني، سعيد النورس رشيد رضا
وبالتالي فإن أولى الخطوات الصحيحة لتمكين دين الله ولتكن خير أمة أخرجت للناس هو السير على الطريق الذي يرشدنا إليه علماؤنا وتبد إضفاء القدسية للأفراد مهما يلقوا ماعدا كما يقول الإمام مالك "كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا المقام" الرسول صلى الله عليه وسلم
والإمام مالك ينفى عن نفسه القدسية تلك قائلا " إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة" (1)
والإمام الشافعي يقول "إذا صح الحديث بخلاف قولى فاضربوا بقولي الحائط.. ورأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"
والإمام أبو حنيفة يقول : هذا رأي وهذا أحسن ما رأيت فمن حياء يرأى خير منه قبلنا"(2) (الدعوة إلى الإجتهاد ونبذ التقليد عند علماء المسلمين)
وبناء على ذلك وإقرارا للتعددية الفقهية ذهب علماؤنا إلى أن الأئمة أكثر من أربعة وهنا نستشهد بقبول د. يوسف القرضاوي بأنه لاتقبل دعوى الذين يحصرون الأئمة الذين يجوز تقليدهم في أربعة ويرفضون ما عداهم من الصحابة والتابعين ومن الأئمة الذين لا يقلون عنهم علما وفضلا عمن هم مثلهم أو أرجح منهم (3) ويؤكد على رأيه بما ذهب إليه ابن تيمية.
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هل يسوغ تقليد هؤلاء الأئمة كحما دين أب سليمان وابن المبارك وسفيان الثوري والأوزاعي وقد قال عنهم رجل هؤلاء لا يلتفت إليهم..؟ فقال: "..ليس في الكتاب والسنة فرق في الأئمة المجتهدين بين شخص وشخص فمالك والليث بن سعد والأوزاعى والثوري هؤلاء أئمة في زمانهم وتقليد كل منهم كتقليد الآخر لا يقول مسلم: إنه يجوز تقليد هذا دون هذا .." (4)
ويقول الإمام السيوطي في كتابه (الرد على من أخلد إلى الأرض):
ذهب الحنابلة بأسرهم إلى أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد لقول صلى الله عليه وسلم "ولا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله"(5) قالوا: لأن الإجتهاد فرض كفاية فيستلزم إنتفاؤه إتفاق المسلمين على الباطل(6). وهذا مذهب الحنابلة الحنابلة في أنه لا يجوز خلو العصر من مجتهد كما أشار إلى ذلك د.يوسف القرضاوي
وكذلك ذهب المالكية كما قال ابن عبد السلام أحد أئمة المالكية –لايخلو الزمان من مجتهد إلى زمن إنقطاع العلم كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وإلا كانت الأمة مجتمعة على الخطأ.
وقال الرازي في المحصول وتبعه السراج في تحصيله والتاج في كتاب الإجماع لو بقي من المجتهدين واحد كان قوله حجة (7)
وقال الذهبي في "طبقات القراء" في ترجمة أبي عبيد القاسم بن سلام: كان يجتهد ولا يقلد أحدا.(
وقال السبكي في "الطبقات الكبرى" في ترجمة إمام الحرفين لايتقيد بالأشعرى ولا الشافعي وإنما يتكلم على حسب تأدية نظره واجتهاده" (9)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فتاوى معاصرة : ج2\ ص113
(2) المرجع السابق نفس الصفحة
(3) كيف نتعامل مع التراث والمذعب والإختلاف: ص 107
(4) مجموع الفتاوي (20/ 583-585)
(5) رواه الحاكم وابن ماجه الجامع الصغير ص210 والدارامي 2 /213
(6) روضة الناظر لابن قدامة 317، 372 والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام 167
(7) المحصول للرازي ج2 / ص283
(
معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: للذهبي تحقيق محمد سيد جاد الحق 1/141
(9) طبقات الشافعية الكبرى 5/192
وقال الدارقطني في ترجمة شيخه القاضي أبي بكر أحمد بن كليل " أحد أصحال ابن جرير" كان يختار أحدا. قيل له أما كان جريري المذهب؟ فقال : بل خالفه واختار لنفسه. (1)
ووصف الذهبي في طبقات الحفاظ القاضي أبا بكر بن العربي أحد أئمة المالكية الإجتهاد المطلق (2)
وقال ابن كثير في "تاريخه" كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام في آخر آيامه لا يتقيد بالمذهب بل اتسع نطاقه وأفتى بما أدى إليه إجتهاده (3)
وقال الحافظ السيوطي (ت 911 هـ) : الناس يدعوم اجتهادا واحدا وأنا أدعى اجتهادات ثلاثا: الاجتهاد في الفقه والاجتهاد في الحديث والإجتهاد في التفسير وقد قام عليه المقلدون وشددوا الحملة عليه فكتب في ذلك كتابه القيم "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض (4)
فهل نجد بعد كل هذه الدلائل على التعددية التي نعم بها المجتمع الإسلامي في عصوره الزاهية شك وذلك عندما فتح الباب على مصراعيه للإجتهاد وعدم التقيد والتقليد والتعصب لرأي أو مذهب معين وعندما وجد من يكيف على هذا الحق كان كبار العلماء يتبارون في الدفاع عن حرية الفكر والاجتهاد ووضع الأمور حين انحرافها في نصابها الصحيح ونستطيع أن نستنسخ أنهم كانت لهم نظرية معينة لإدارة التعددية في الأراء والأحكام الفقهية سمحت بانسياب وتدافع الأفكار بآمان وبالتالي تجلى الإبداع في الفقه وفي شتى مجالات الحياة وكان كل واحد علم بارز في مجاله وكتب الطبقات تشهد على ذلك وهذه هى البيئة الاسلامية الصحيحة التي قامت على إعمال مباديء الإسلام في الإختلاف وأكدت عمليا أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان حيث "استطاع الفقهاء والمفكرون في فترة وجيزة أن يلاغوا بين الأحكام الكلية للشريعة وبين أوضاع تلك البيئات جميعا وأن يحفظوا صيغة لوحدة الأصول والكليات مع التنوع الهائل في الفروع وفي هذا المجال العريض المتنوع نما الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي وتفرعت التفاريع على كلياته جرى ذلك بشيوع الإسلام بين الناس وبالصلة المباشرة التي نشأت بين الناس وبين الفقهاء والمفكرين" (5)
المبادئ التى أرساها السلف للتعدديه والإختلاف
من علمائنا الذين لهم دور بارز في محاربة الجمود ورأب الصدع الذي يستشري في الأمة بتفرقها في أمور هى من فروع الإسلام مسندة بالدفاع التي لا تقبل الشك بأن هذا يتعارض مع منهج سلف الأمة محاولا توضيح المبادئ التي ساروا عليها عند خلافهم ونظر لأهميتها فيما نحن بصدده من اثبات أن التعددية كانت هى واقع عاشه المسلمون ومناخا سمح بإبراز إبداعاتهم وتفرد كل واحد منهم عن الآخر وكلهم في ذلك يعملون لخدمة الإسلام وإعلاء كلمة الحق وسأحاول أن أختصر هنا ما ذكره أستاذنا يوسف القرضاوي من مبادئ وكما يسميها ركائز الإختلاف(6) التي كان يتمثلها سلفنا الصالح منها
(1)إحترام رأي المخالف في الفروع والعمل به عند الحاجة: من أمثلته:
قال الإمام الأوزعي في الذي يقبل امرأته : إن جاء يسألني قلت: يتوضأ وإن لم يتوضأ لأم أعب عليه(7)
ــــــــــــــــــــــــــ
(2) ينظر إلى كيف نتعامل مع التراث: يوسف القرضاوي ص 116 ولمزيد ص108 : 125
(3) تذكرة الحفاظ 4/1296
(4) البداية والنهاية لابن كثير 13 /235، 236
(5) كيف نتعامل مع التراث، ص125
(6) الملاكح العامة للفكر السياسي الإسلامي، ص49
(7) الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد 344 : 361
(
ترتيب التمهيد (3 /345) نقلا عن (أدب الإختلاف)
وقال أحمد في الركعتين بعد العصر: لانفعله ولانعيب من فعله(1)
ومما يدل على عملهم بالرأي المخالف لهم وذلك على سبيل المثال لا الحصر صلاة أبو يوسف خلف هارون الرشيد الذي احتجم وصلى ولم يتوضأ وكان مالك أفتاه بأنه لا وضوء عليه إذا احتجم وكان أبو يوسف على مذهب أبي حنيفة القاضي بالوضوء من خروج الدم ولم يعد أبو يوسف الصلاة (2)
ومما أثر من أدب السلف أن يحيل أحدهم المستغنى إلى من يعلم أنه ييسر عليه في فتواه ولا يجد في ذلك حرجا مادام العالم الآخر ثقة غير متلاعب بالدين (3)
(1) نترك بعض السنن لتأليف القلوب
من دلائل تسامح السلف أنهم أجازوا ترك بعض السنن والمستحبات في العبادات ونحوها من أجل تأليف القلوب وعملا بالحديث الشريف "يسروا ولا تنفروا"(4) متفق عليه من ذلك
ماروى أن الإمام الشافعي –رحمه الله- ترك القنوت في صلاة الصبح لما صلى مع جماعة الحنفية في مسجد إمامهم ببغداد على خلاف مذهبه وفسرا ذلك بأنه فعله تأدبا مع الإمام أبي حنيفة أو تألفا لقلوب أتباعه وكلاهما من الأدب الرفيع (5)
وقال ابن عقيل في "الفنون" : لايتبقى الخروج من عادات الناس إلا في الحرام فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الكعبة وقال : لولا حدثان قومك بالجاهلية(6)
(2) ترك الإنكار على ماتعارف عليه أهل كل بلد
روى الدرامي بسنده من حميد قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: لوجمعت الناس على شئ؟ فقال: ما يسرني أنهم لم يختلفوا قال: ثم كتب إلى الآفاق أو الأمصار : ليقض كل قوم بما اجتمع عليه فقهاؤهم(7)
وقال أحمد في رواية المروذي: لايتبقى للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم (
(3) لا ترد شهادة المخالف في الفروع:
وذلك لأن الصحابة رضى الله عنهم –كانوا يختلفون في الفروع وقبلوا شهادة كل مخالف فيها ولأنه اجتهاد سائغ لا يفسق به المخالف كالمتفق عليه" (9)
(4) ضرورة الألفة والأخوة بين العلماء والدعاة:
كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعةا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله: "فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" النساء:59
وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم من المجادلة ما يقض إلى الإختلاف والتفرق فخرج على قوم من أصحابه وعم يتجادلون في القدر فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان وقال: "أبهذا أمرتم ؟! أم إلى هذا ادعيتم؟! أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض " (10)
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصدر السابق 4/201
(2) ينظر ‘لى حجة الله البالغة للدعلوي 1/195
(3) الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد ص350 عن طبقات الحنابلة (1/142) روضة الناظر وجنه المناظر ص207
(4) نفس المرجع والصفحة
(5) فتح البر في الترتيب الفقهى لابن عبد البر 5/544
(6) مجموع الفتاوى 24/195
(7) سنن الدرامي (1/122)
(
مسائل الإمام أحمد لابن صالح 2/149، مسائل أبي داود ص 42 مسائل ابن هاني 1/95
(9) يوسف القرضاوي نقلا عن كشاف القناع: (6/342)
(10) رواه أبو داوود في سنته (1/33)، والصحوة الإسلامية ص357
ونقل الشيخ أبو غدة فصلا من مجموع فتاوى ابن تيمية افي أن الإئتلاف عماد الدين وأسه والحض على حفاظ الألفة مع الاختلاف في الفروع جزئين العقائد)(1) مال ابن تيمية: "وعلموا رحمكم الله وجمع لنا ولكم خير الدنيا والآخرة أن الله بعث محمدا صلى الله عليهوسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان قد بعث إلى ذوى أهواء متفرقة وقلوب متشتتة وآراء متباينة فجمع به الشمل وألف به بين القلوب وعصم به كيد الشيطان.."(2)
ومن صور الإختلافات الكبيرة بين الصحابة والتي لم تحيد بهم عن روح المحبة والأخوة والتآلف ماروى من أن عائشة رضى الله عنها قد خالفت ابن عباس وغيره من الصحابة في أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه وقالت: "من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله القريه"(3). وجمهور الأمة على قول ابن عباس مع أنهم لايبدعون المانعين الذين وافقوا أم المؤمنين رضى الله عنها
ويعلق د. يوسف على ذلك قائلا هؤلاء هم السلف المشهود لهم بالخير يقول النبي صلى الله عليه وسلم فهذا موقفهم: لاتبديع ولاتشنيع ولاتضليل ولاتكفير رضى الله عنهم ماأفقههم!(4)
ونختم هذا الموضوع بمقولة أستاذنا يوسف القرضاوي في كتابه "أمتنا بين قرنين" من أن رفع الخلاف غير ممكن أصلا وغير مطلوب شرعا وغير ضار واقعا بل هو ضرورة لا مفر منها دينية ولغوية وبشرية وكونية لأن اله أقام هذا الكون على التنوع وهذا التعدد والتنوع الذى نراه في الفقه قد أتاح لنا ثروة هائلة منه نستطيع أن نستعيد منه على إختلاف الزمان والمكان دون أن نخرج عن إطار الشريعة بل وأن نبني على هذه الثروة الفقهية فقه معاصر يستمد من هذا الفقه روحه ومنطلقاته وتعليلاته.. ما يعالج بع مشكلات العصر مع مراعاة تغير الزمان والمكان وحال الإنسان(5)
الدعوة للتعددية الفقهية لدى التيارات الإسلامية في العصر الحديث
تتعدد الحركات العاملة في الحقل الإسلامي وتتنوع وظائفها ومساراتها والنهج الذى اختارته لنفسها وتستند في انطلاقاتها إلى اجتهادات فقهية تتراوح بين التشدد والمرونة وعى على الرغم من اختلافاتها إلا أنها تتعايش فيما بينها في المجتمع الواحد يجمعها رباط الأخوة دوغا أى عتق أو دعاوي تكفيرية للطرف الآخر بل داعية إلى الإجتهاد والتجديد ونبذ كل ما يؤدي إلى الشقاق ومن الدلائل على ذلك كما تعكسه أقوال ومؤلفات زعمائها: محمد عبده
(1) فالشيخ محمد عبده وهو من أعلام تيار الجامعة الإسلامية (6) وهو جمال الدين الأفغاني فمن اصلاحاته الدينية دعوته إلى العودة إلى الكتاب والسنة وتترك التعصب للمذاهب قائلا "ألم يأن لنا أن نرجع إلى المعروف مما كان عليه سلفنا بما كان قد أحياهم ونترك ماابتدعه أخلافهم مما أماتهم وأماتنا"(7) وهو بذلك يشير إلى عصور التخلف الحضارى وما أفرزته من دعوات تدعو إلى جمود العقل عن طريق توقف الإجتهاد وهو ما حار به يوضح ذلك قوله: "-بأن العقل وجد للملاءمة بين الإنسان وظروف الحياة التي يعيش فيها والوقوف عند زمن معين ينافر طبيعة المبادئ الإسلامية (
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (رسالة الألفة بين المسلمين للشيخ عبد الفتاح أبوغدة نقلا عن الصحوة الإسلامية ص356
(2) فتاوى ابن تيمية (24:170-176) في رسالة له لأهل البحرين حين أرسلوا وفدا لسؤاله
(3) رواه البخاري (13/361) في كتاب التوحيد
(4) الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد، ص358
(5) أمتنا بين قرنين: يوسف القرضاوي، ص223 :225، دار الشروق
(6) الطريق لليقظة الإسلامية: محمد عمارة، ص185
(7) مشروع النهضة عند الشيخ محمد عبده: أ.ء انعام محمود حماد من "كتاب الإسلام ومشروعات النهضة الحديثة" ص410 نقلا عن تاريخ الإمامة 1/411
(
تاريخ الأستاذ الإمام: محمد رشيد رضا 2/135
"وفى دعوته إلى الإجتهاد والتحديد الفقهى دعا إلى نبذ الكتب التي تتصف بضيق الأفق المذهبى ودعا إلى مطالعة كتابات المجتهدين من الفقهاء سواء للمتقدمين كالزيلعي أو المتأخرين كالشوكاني"(1)
"لقد أباح الإمام الإجتهاد ودعا إليه لأنه ضرورة إجتماعية حيث إن ظروف الحياة ومتطلباتها تتغير من زمن لأخر وبالاجتهاد يمكن التوفيق بين هذه الأحداث وبين مبادئ الإسلام العامة والإسارت الحياة الإنسانية في المجتمع في عزلة عن توجيه الإسلام"(2)
وهكذا نجد الإمام محمد عبده يؤكد على التعدديه بمحاربته للجمود وعدم التقليد ودعوته للإجتهاد وإفساح المجال أمام العقل الإسلامي للإبداع في نطاق الدائرة الواسعة واللامحددة التي منحها الإسلام
(1) حسن البنا "مؤسس جماعة الإخوان المسامين"
والتي نستطيع أن نلتمس من كلامه كل ما يدعو إلى الألفة بين المسلمين وضرورة المرونة وسعة الصدر في تقبل الإختلاف لأن التعصب وضيق الأفق هو الذي ذهب ببنيان الأمة فيقول "الخلاف الفقهي في الفروع ولا يكون سببا للتفرقة في الدين ولا يؤدي إلى خصومة وبغضاء ولكل مجتهد أجره ولا مانع من التحقيق العلمي النتريه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم والتعصب (3)
ثم يؤكد على أن هذا الإختلاف يتماشى مع روح وجوهر الإسلام قائلا: "إن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافر مع طبيعة الدين وإنما يريد الله لهذا أن يبقى ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان وهو لهذا سهل مرن هين لين لا جمود فيه ولا تشدد"(4). وتجده يحافظ على رباط الأخوة مع المخالفين له كما كان نهج السلف في الحض على الإلتزام بأدب الخلاف قائلا: "إن مع كل قوم علما وفي كل دعوة حفاو باطلا فهم يتحرون الحق ويأخذون به ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم فإن اقتنعوا فذاك وإن لم يقنعوا فإخوان في الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية" (5)
موجة الإصلاح الدينى الأولى ودعوتها للتعددية
سبق عصر محمد عبده وحسن البنا تيارات إسلامية إصلاحية ومجددة حاولت بعث النهضة واليقظة للأمة بعد سباتها العميق حين بعدت عن تعاليم الإسلام ومبادئه السامية واعترى الحياة الكثير من مظاهر البدع والإنحراف فحاولوا العودة بالناس إلى الحياة الإسلامية الصحيحة كما كانت على عهد الرسول وصحابته الكرام وتنقية واقع المسلمين من كل ما أدى إلى هذا الجمود والتخلف عن طريق نبذ التقليد وفتح باب الإجتهاد كإحدى وسائل الإصلاح.
ويعبر عن ذلك المستشار طارق البشري بقوله: "حركة التجديد الفكري والفقهي التي استفتحت بابن عبد الوهاب في نجد في القرن الثامن عشر ثم نجد الشوكاني في اليمن والألوسي في العراق والسنوسي في ليبيا ومحمد أحمد في السودان كانت هذه الدعوات التجددية تمثل ظاهرة عامة من منتصف القرن الثامن عشر إلى ما بعد القرن التاسع عشر وبرغم كل ما بين هذه الحركات وغيرها من خلافات فقد اتفقت كلها في كونها حركات تجديديه تدعو لنبذ التقليد وفتح باب الإجتهاد(6)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) الملامح العامة للفكر الإسلامي: طارق البشري، ص18
(2) تاريخ الأستاذ الإمام: 2/477 نقلا عن الإسلام ومشروعات النهضة الحديثة ص403
(3) رسائل الإمام الشهيد حسن البنا: رسالة التعليم، ص269
(4) مجموعة الرسائل – رسالة دعوتنا، ص24
(5) المرجع السابق، ص25
(6) الملامح العامة لفكر الإسلامي، ص72، 73، وينظر إلى " الطريق لليقظة الإسلامية" جحد عمارة ص 168
ثم هو في موضع آخر يشير إلى أنهم بالرغم من كونهم تيارات تعمل في الحقل الإسلامي إلا أن الخلاف بينهم كان حقيقة واقعة لم تمنعهم من إقرارهم للتعددية ونبذ نا عداها من التعصب وضيق الأفق والتمزق المذموم الذي يشتت الأمة ويهدر طاقاتها فيقول " فبرغم الخلافات التي قامت بين أصحاب هذه الدعوات بعضهم مع بعض فيلاحظ في الغالب الأعم اتخذت سمات عامة وهي تأكيد دعوة التوحيد في صورته المجردة وبالرجوع للأصول من الأحكام المنزلية بالقرآن والسنة والأخذ عنها مباشرة ويتبقى القداسة عن المذاهب المختلفة وهى بهذا دعوة كانت تواجه في خصائص العامة أمراض العصر التي كانت علقت بالفكر الإسلامي وفقهه من نزهات التقليد المذهبي الضيق وما أنتج من صراعات مذهبية ومن سلبيات ممارسات الطرق الصوفية"(1)
ومن مظاهر الإختلاف بين هذه التيارات على الرغم مما أحدثه من حيوية وحركة في الساحة الإسلامية فكان أن أخذ كل تيار طرف من الحقيقة الناصعة للإسلام في شموله وعمومه ولم يوجد عند تيار واحد الصورة المتكاملة للإسلام من كونه مصدر ومفجر للحضارة في جانبها المادي والروحي وكما يقول د.محمد عمارة "كانت دعوات التجديد الديني السلفية- "الوهابية" و"السنوسية" و"المهدية"- قد منعتها بداوة البيئة من أن تولى التمدن ما يجعله النموذج الصالح للتعميم والوافي باحتياجات النهضة"(2)
ولكن تيار الجامعة الإسلامية وأعلامه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وعبد الحميد بن باديس قد تجاوز هذه السلبيات فمثلةو التيار السلفني العقلاني الداعي إلى التمدن والموازن بين الخصوصية الحضارية وبين الإستفادة من الحضارات الأخرى (3)
وكان من مظاهر التعددية النقد الذى وجهه هذا التيار لسابقه من أجل الوصول إلى صيغة صحيحة يرتكز عليها العمل الإسلامي للنهضة وهم في ذلك يقررن لهم بالإيجابيات إلتزاما بأدب الخلاف دون تقديس لأشخاصهم تعيق العقل عن الحرية في أعمال أقصى طاقات الفكر الإسلامي وكان هذا النقد أمرا شائعا وطبيعيا بين أعلام المجددين الذين كانوا هم أكثر فهما للإسلام وعملا بأحكامه والتزاما بأدب الخلاف فكما أخذ محمد عبده في نقد تيار "سلفية البداوة النصوصية" قائلا: قد تقضوا من العقائد والتصورات والعبارات الدينية غبار البدع والخرافات ولكنهم وقعوا أسرى لظواهر النصوص. ثم هم لم يكونوا للعلم أولياء ولا للمدنية أحباء" وأهل الجمود لا يقلمون من الدين إلا بعض المسائل الفقهية وطرفان من العقائد على نهج يبعد عن حقيقتها أكثر مما يقرب.. وبقاؤهم فيما هم عليه مما يؤخر الرعية"(4)
وجدنا في مرحلة تالية وكتأكيدا على التعددية في أعلى مستوياتها رواد العمل والفكر ومجددية في البيئة الإسلامية مالك بن نبي يتقد محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في بعض ما ذهبوا إليه من محاولات إصلاحية مقرا بالكثير جدا من أعمال رائدة قاموا(5) بها ومما لا يتسع المقام هنا لذكره.
وهكذا صارت التعددية هي المبدأ المعمول به في الفقه الإسلامي قديما وحديثا ولم يشذ عن ذلك إلا كل الجاهلون بأحكام الإسلام ومبادئه السامية قرآنا وسنه في هذا الصدد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المرجع السابق ص 53
(2) الطريق اايقظة الإسلامية: ص184
(3) المرجع السابق ص184 :203
(4) الأعمال الكاملة للأمام محمد عبده: محمد عمارة، ج3 ص112 -114
(5) وجهة العالم الإسلامي: مالك بن نبي ص44،45 وبحث للدكتور عبد الحميد مدكور من المشروع الحضارى عند مالك بن نبي، المؤتمر الدولي السادس للفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم