خطر الشيعــةراغب السرجاني
يرى الكثير من المسلمين أن تحديد موقف معيَّن من الشيعة أمر صعب، وشيء محيِّر، ومردُّ هذه الصعوبة إلى أشياء كثيرة..
من هذه الأشياء مثلاً فَقْد المعلومة؛ فالشيعة بالنسبة لكثير من المسلمين كيان مبهم، لا يعرف ما هو، ولا كيف نشأ، ولا يلقي نظرة على ماضيه، ولا يتوقع مستقبله، وبالتالي فعدد كبير جدًّا من المسلمين يعتقد أن الشيعة ما هي إلا أحد المذاهب الإسلامية كالشافعية أو المالكية أو غيرها من المذاهب، ولا يدري أن اختلاف السُّنَّة عن الشيعة ليس في الفروع فقط، ولكن في كثير من الأصول أيضًا.
ومن الأشياء التي تُصعِّب الموقف أيضًا أن كثيرًا من المسلمين غير واقعيين ولا عمليين، فهو يلقي بالأحلام المتفائلة هكذا دون دراسة، فتراه ينادي -وكأنه يتكلم بلغة العقل- ويقول: لماذا التناحر؟ هيَّا لنجلس وننسى خلافتنا، ويضع السُّنِّي يده في يد الشيعي في طريق واحد، طالما أننا جميعًا نؤمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر، وينسى أن الأمر أعقد من هذا (بكثير)؛ فعلى سبيل المثال فإن الذي يؤمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر ولكنه يستحل الخمر أو الزنا مثلاً يَكْفُر، واستحلال الأمر يعني أنه يراه حلالاً، وينكر تحريمه في القرآن أو السُّنَّة، وإذا أخذنا هذا المنطلق في الرؤية فإننا سنرى أمورًا خطيرة جدًّا في قصة الشِّيعة تحتاج إلى وقفات مهمَّة من علماء الشريعة لتحديد حكم الدين في البدع الشيعيَّة الهائلة.
ثم إنّه من الأشياء التي تُصعِّب الأمر -أيضًا- كثرة الجراحات الإسلامية في أكثر من قُطر من أقطار المسلمين، وكثرة الأعداء من يهود وصليبيين وشيوعيين وهندوس وغيرهم، فيرى بعض المتعقلين ألاَّ نفتح جبهة جديدة من الصراع، وقد يكون هذا صحيحًا من جانب لو أنّ هذه الجبهة مغلقة، ونحن نحاول فتحها، أما إذا كانت بالفعل مفتوحة على مصراعيها، والأذى يأتي منها صباحَ مساءَ، فإنَّ السكوت هنا يعدُّ رذيلة، وليس هناك داعٍ للسؤال المتكرِّر على ألسنة الكثيرين: هل هم أخطر أم اليهود؟! فإنَّ هذا السؤال أريد به إسكات ألسنة الموقظين لهمَّة الأمة، وإحراج العاملين على حفظها وحمايتها، وأنا أردُّ على هؤلاء وأقول لهم: وما المانع أن يتصدى المسلمون لخطريْن داهميْن في وقت واحد؟ وهل المسلمون السُّنَّة هم الذين يبحثون عن حُجَّة للهجوم على الشيعة، أم أن الواقع يثبت بأكثرَ من دليلٍ أنّ الأذى يأتي من ناحيتهم؟
ولقد سردنا التاريخ الشيعي في المقاليْن السابقين مقال أصول الشيعة، ومقال سيطرة الشيعة، ورأينا التعديات الشيعية الصارخة على الأمة الإسلامية، وما أحسبُ واقعنا يختلف كثيرًا عن ماضينا، بل إنني أشهد أن التاريخ يكرِّر نفسه، وأن الأبناء ورثوا حقد الآباء والأجداد، ولا يُتوقع خير ممن يزعم بفساد جيل الصحابة إلا النَّدرة منهم، وهو تكذيب صريح لقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي»[1]، وهو حديث في البخاري ومسلم وغيره من كتب الصِّحاح والسُّنن والمسانيد.
إنّ واقع الشيعة في زماننا الآن -ليس في الماضي فقط- أليمٌ أليم..
ودعونا نراجع أمورًا مهمَّة تجعل الرؤية أوضح عندنا، ومِن ثَمَّ تعيننا على تفهُّم الموقف الأمثل الذي يجب أن نأخذه من الشيعة، ونعرف عندها هل يجب أن نتكلم أم السكوت أفضل!
أولاً: الجميع يعلم موقف الشيعة من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدءًا من أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان بن عفان -رضي الله عنهم-، ومرورًا بأمهات المؤمنين، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وانتهاءً بعامَّة هذا الجيل العظيم، فكتُبهم ومراجعُهم، بل وعقيدتُهم وأصولهُم، تزعمُ بفسق هذا الجيل أو رِدَّته، وتحكمُ بضلال غالبيته، وتتهمهم بإخفاء الدين وتحريفه!.
وهنا هل يجب أن نراقب ونسكت منعًا لحدوث فتنة كما يقولون؟!
وأيُّ فتنةٍ أعظم من اتِّهام هذا الجيل الفريد بالفساد والكذب؟!
فلتراجعوا معي كلمة عميقة قالها الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «إذا لَعَنَ آخرُ هذه الأمَّة أوَّلها، فَمَنْ كان عنده علمٌ فليظْهره، فإنَّ كاتم ذلك ككاتم ما أُنزل على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-» "[2].
هل أدركتم مدى العمق الذي في الكلمة؟!
إن الطعن في جيل الصحابة ليس مجرَّد طعن في قومٍ قد أفضَوا إلى ما قدّموا، وليس كما يقول البعض: إن هذا الطعن لن يضرّهم؛ لأنهم في الجنة على رغم أنوف الشيعة وأمثالهم، ولكن الخطير جدًّا في الأمر أن الطعن في الصحابة هو في حقيقة الأمر طعن مباشر في الدين، فنحن لم نتلقَّ الدين إلا عن طريق هؤلاء الصحابة y، فإذا ألقيت ظلالاً من الشكوك حول أخلاقهم ونيَّاتهم وأعمالهم فأيُّ دينٍ سنتبع؟ لقد ضاع الدين إذا سلّمْنا بذلك، وضاعت أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوامره، بل إننا نقول للشيعة: أيُّ قرآن تقرءون؟!، أليس الذي نقل هذا القرآن هو عامة الصحابة الذين تطعنون فيهم؟، أليس الذي قام بجمع القرآن هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي تزعمون تحايله على الخلافة؟، فلماذا لم يحرِّف القرآن كما حرَّف السُّنَّة في زعمكم؟!
إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المهديين مِنْ بَعْدِي»[3]. فسُنَّة الخلفاء الأربعة جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي، وما قام به أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ من أحكام ومواقف هو حُجَّة على كل المسلمين في كل وقت ومكان، وإلى يوم القيامة، فكيف يمكن قبول الطعن فيهم؟!
لذلك تجد علماءنا الأفاضل كانوا ينتفضون إذا رأوا رجلاً يتطاولُ على الصحابة بكلمة؛ فأحمد بن حنبل -رحمه الله- كان يقول: "إذا رأيت أحدًا يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوءٍ، فاتهمه على الإسلام"[4]. ويقول القاضي أبو يعلى: "الذي عليه الفقهاءُ في سبّ الصحابة؛ إن كان مستحلاًّ لذلك كَفَرَ، وإن لم يكن مستحلاًّ لذلك فَسَقَ"[5]. ويقول أبو زرعة الرازي: "إذا رأيتَ الرجلَ ينتقص من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاعلم أنّه زنديق"[6]. أما ابن تيمية فيقول: "من زعم أنّ الصحابةَ ارتدُّوا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا نفرًا قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفسًا، أو أنهم فسّقوا عامَّة الصحابة فلا ريب في كفره"[7].
إن كلّ هذه الشدة على الذين ينتقصون الصحابة؛ لأنّ الصحابة هم الذين نقلوا الدين لنا، فإذا انتقص أحدٌ منهم فهو يشكِّك في الدين نفسه، كما أن هذا الجيل العظيم قد جاء مدحُه في آيات القرآن الكريم، وفي أحاديث النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم- في مواضعَ كثيرة لا حصر لها؛ مما يجعل الطعن فيهم تكذيبًا لله ولرسوله.
ولعلَّ هناك من يقول إننا لم نسمع فلانًا أو علاّنًا من الشيعة يطعن في الصحابة، وهؤلاء أريد لفت أنظارهم إلى ثلاث نقاط..
الأولى: هي أن الشيعة الاثني عشرية تعني من الأساس أن الصحابة تآمروا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعلى آل البيت، وعلى الأئمة الذين يعْتَقدُ فيهم الشيعة، ومِن ثَمَّ فليس هناك شيعي اثنا عشري (إيران والعراق ولبنان) إلاّ ويعتقد بفساد الصحابة، ولو اعتقد بصلاحهم لانهار مبدأ الشيعة من أساسه؛ ولذلك فمن المسلَّم به أنّ كلّ الشيعة من الزعماء والأتباع لا يوقِّرون الصحابة ولا يحترمونهم، ولا يأخذون عنهم الدين بأيِّ صورة من الصور.
وأما النقطة الثانية فهي أن زعماء الشيعة يتهربون دومًا من المواقف التي تُظهر بغضَهم الشديد للصحابة، وإن كان يظهرُ في بعض كلماتهم أو مواقفهم، كما يقول الله عز وجل: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]. وقد شاهد الجميع المناظرة التي كانت بين الدكتور يوسف القرضاوي -حفظه الله- وبين رافسنجاني على قناة الجزيرة، وشاهدنا كيف هرب رافسنجاني من كل المحاولات التي بذلها الدكتور القرضاوي لجعله يذكر خيرًا في حق الصحابة أو أمهات المؤمنين. وعندما سُئل خامنئي -قائد الثورة الإيرانية الحالي- عن حكم سبّ الصحابة، لم يقل: إن هذا خطأ أو حرام، إنما أجاب إجابة باهتة قال فيها: "إن أي قول يؤدِّي إلى الفُرقة بين المسلمين هو بالقطع حرام شرعًا"؛ فحرمة سب الصحابة عنده لكونها تفرِّق بين المسلمين، وليس لكونها حرامًا في حدِّ ذاتها، ونشرت ذلك صحيفة الأهرام المصرية يوم 23 من نوفمبر 2006م.
وأما النقطة الثالثة فهي الانتباه إلى عقيدة التَّقِيَّة التي تمثل تسعة أعشار الدين عندهم كما يقولون، وهي تعني أنهم يعتادون على قول ما يخالف عقيدتهم طالما كانوا غير ممكنين، أما عند التمكين فإنهم يظهرون ذلك بوضوح. ولقد مرَّ بنا تاريخ الشيعة، ورأينا أنه عند السيطرة على بلاد السُّنِّية كالخلافة العباسية في العراق وكمصر والمغرب وغير ذلك، فإنهم كانوا يُظهِرون فورًا سبَّ الصحابة، ويجعلون ذلك أصلاً من الأصول عندهم.
إذًا يتبين لنا من خلال هذه المسألة ضرورة الكلام لتبيين الحقيقة في أمر الصحابة الكرام، وإلا فإنَّ الساكت عن هذا الحق شيطان أخرس، وستكون عقبات السكوت هنا ضياع الدين نفسه.
ثانيًا: خطورة التشيُّع في العالم الإسلامي.. ولا شكَّ أن التشيع يسير بخُطا حثيثة في كثير من بلاد العالم الإسلامي، ولم يعُدْ في الأماكن التقليدية التي اعتاد أن ينتشر فيها كإيران والعراق ولبنان، إنما يجري الآن -وبقوة- في البحرين والإمارات وسوريا والأردن والسعودية ومصر وأفغانستان وباكستان وغير ذلك من بلاد المسلمين، والأخطر من ذلك هو اعتناق الكثيرين لأفكار الشيعة ومبادئهم دون أن يظنوا أنفسهم شيعة. ولقد وصلت إلينا بعد هذه المقالات أعداد هائلة من الرسائل التي يدَّعِي أصحابها أنهم من السُّنَّة، ولكنها تفيض بأفكار الشيعة ومناهجهم. وليس خافيًا علينا الحملات العشواء التي تُشنُّ على الصحابة في صفحات الجرائد، وعلى الفضائيات في البلاد السُّنية، ولعلَّ من أشهرها في الأيام الأخيرة الحملة التي شنّتها إحدى الجرائد المصرية على السيدة عائشة رضي الله عنها، والحملة التي شنتها جريدة أخرى على البخاري ـ رحمه الله ـ ، وكذلك البرامج الفضائية التي يقدِّمها إعلامي مشهور، ويتناول فيها الصحابة بالتجريح في كل حلقة.
ويضيف إلى صعوبة الأمر، وعدم إمكان السكوت عليه، هو التزاوج بين مناهج الشيعة ومناهج الصوفية، بدعوى اشتراك الطرفين في حبِّ آل البيت. وكما نعلم فإنَّ المذاهب الصوفية تنتشر في عدد كبير من بلاد العالم الإسلامي، وهي مصابة بعدد كبير جدًّا من البدع والمنكرات، وتلتقي مع الشيعة في بعض الأمور كتقديس قبور آل البيت، ومِن ثَم فانتشار الشيعة متوقع في ظل شيوع الفرق الصوفية في بلاد المسلمين.
ثالثًا: الوضع في العراق خطير جدًّا، وقتل المسلمين السُّنَّة بسبب هويتهم أصبح متكررًا ومألوفًا، ولقد ذكر الأمين العام لجبهة علماء المسلمين السُّنة في العراق حارث الضاري أن هناك أكثر من مائة ألف سُنِّي قتلوا على يد الشيعة في الفترة من 2003 إلى 2006 فقط، إضافةً إلى عمليات التهجير المستمرة من بعض الأماكن لتسهيل حكم الشيعة لها، وفوق ذلك فالمهجَّرُون خارج العراق معظمهم من السنة، وهذا يؤدِّي إلى تغيير خطير في التركيبة السكّانية ستكون لها عواقب ضخمة. والسؤال: هل فتنة طرح قضية الشيعة أخطر من فتنة قتل هذه الأعداد الهائلة من السُّنَّة؟، وإلى متى السكوت عن هذا الأمر، والجميع يعلم التأييد الإيراني الشامل لعمليات قتل السُّنة على الهوية؟!
رابعًا: الأطماع الإيرانية في العراق واضحة، بل هي معلنة وصريحة، ولقد دارت قبل ذلك حرب طويلة بين البلدين استمرت ثماني سنوات كاملة، والآن الطريق مفتوح، خاصةً أنّ العراق تمثِّل أهمية دينية قصوى للشيعة، حيث تحوي العتبات المقدَّسة، وبها قبور ستة من الأئمة عند الشيعة؛ ففيها قبر الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في النجف، وقبر الحُسين -رضي الله عنه- في كربلاء، وقبر موسى الكاظم ومحمد الجواد وكلاهما في الكاظمية ببغداد، وقبر محمد الهادي والحسن العسكري في سامِرّاء، هذا إضافةً إلى كثير من القبور الوهميَّة لعدد من الأنبياء مثل آدم ونوح وهود وصالح في النجف الأشرف، وكلها -كما هو معلوم- ليست صحيحة.
ويضيف إلى خطورة الطمع الشيعي في العراق، أن أمريكا تقف إلى جوار هذا الطمع وتؤيده، وكلنا يرى الحكومة الشيعية التي ترعاها أمريكا وتؤيدها، ولا تُجدِي هنا تمثيليات تبادل الاتهامات بين إيران وأمريكا، فإنَّ أمريكا لا تفكر مطلقًا في ضرب إيران كما وضحنا في مقال (بعبع تحت السيطرة)، لكن الذي يُقلِق بشكل أكبر ليس الطمع في بترول العراق أو ثرواته فقط، وليس مجرَّد توسيع رقعة سيطرة الشيعة، ولكن الأدهى هو جعل هذا الإجرام والتوحش جزءًا من الدين عندهم؛ فالشيعة يعتبرون الصحابة وأتباعهم من السُّنَّة، من الذين ناصبوا أهل البيت العَداء، ويسمُّوننا لذلك بالناصبة أو النواصب، مع أننا أشد توقيرًا لأهل البيت منهم، ويصدرون أحكامًا خطيرة نتيجة هذه التهمة، فيقول الخوميني مثلاً: "والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخُمُس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد، وبأي نحوٍ كان، ووجوب إخراج خمسه"[8]. وعندما سُئل إمامهم محمد صادق الروحاني عن حكم من ينكر إمامة الأئمة الاثني عشر قال كلامًا عجيبًا!!؛ فقد قال: "إن الإمامة أرفع مقامًا من النبوة، وإن إكمال الدين كان بنصب الإمام أمير المؤمنين رضي الله عنه بالإمامة، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، ومَن لا يعتقد بإمامة الأئمة الاثني عشر يموت كافرًا"[9]. وقد ذكرنا في مقال (أصول الشيعة) أن الخوميني ذكر في كتابه (الحكومة الإسلامية) أن الأئمة يصلون إلى درجة لم يبلغها ملكٌ مقرَّب ولا نبي مرسل؛ فعدم الاعتراف بهم أقوى من عدم الاعتراف بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يفسِّر منطلق التكفير عندهم، والذي يستتبعه استحلال دماء السُّنَّة في العراق وغيرها، ومِن ثَم حتمية ضم العراق إلى سلطانهم لما تحويه من مقدسات شيعية موجودة بأيدي من يكفِّرونهم.
خامسًا: لا يقف التهديد المباشر عند حد العراق فقط، فالأطماع متزايدة في دول المنطقة، وهم يعتبرون البحرين جزءًا من إيران، وصرح بذلك رئيس التفتيش العام علي أكبر ناطق نوري في مكتب قائد الثورة خلال الاحتفال بالذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية حيث قال: "إن البحرين كانت في الأساس المحافظة الإيرانية الرابعة عشرة، وكان يمثلها نائب في مجلس الشورى الوطني الإيراني"[10].
ولا يخفى علينا أن إيران تحتل ثلاث جزر إماراتية مهمَّة في الخليج العربي، كما أنهم يتزايدون بشكل كبير في الإمارات، حيث بلغت نسبتهم هناك 15% من عدد السكان، ويسيطرون على مراكز التجارة خاصةً في دبي.
والوضع كذلك في السعودية ليس مستقرًّا؛ فمنذ الثورة الإيرانية في عام 1979م والاضطرابات تتكرر في السعودية، بل إنها كانت مباشرة بعد الثورة الإيرانية، حيث قامت مظاهرات شيعية في القطيف وسيهات، كان أشدها في يوم 19 من 1979م، وكانت الأمور تتفاقم أحيانًا إلى درجة التظاهر والتخريب في بيت الله الحرام، كما حدث في موسم الحج في سنة 1987م، وسنة 1989م، بل إنه بعد سقوط نظام صدام حسين قامت 450 شخصية شيعية في السعودية بتقديم عريضة إلى ولي العهد آنذاك الأمير عبد الله يطالبون فيها بمناصب عليا في مجلس الوزراء والسلك الدبلوماسي والأجهزة العسكرية والأمنية، ورفع نسبتهم في مجلس الشورى.
ولقد صرح علي شمخاني -كبير المستشارين العسكريين لدى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية- أنه في حالة ضرب أمريكا للمنشآت النووية الإيرانية، فإنَّ إيران لن تكتفي بضرب المصالح الأمريكية في الخليج، بل إن إيران ستستخدم الصواريخ الباليستية في ضرب أهداف استراتيجية في الخليج، وكذلك مضخات النفط ومحطات الطاقة في دول الخليج العربي، وهذا التصريح نشرته مجلة التايمز البريطانية في يوم الأحد 10 من يونيو 2007م.
هل هذا هو كل شيء؟!
أبدًا.. هناك الكثير والكثير مما لم نذكره بعد.
فقد ذكرنا في هذا المقال خمس نقاط توضح خطورة قضية الشيعة وأهميتها، وهناك خمس نقاط أخرى في غاية الأهمية أخشى إن ذكرتها على عجالة هنا ألاَّ أعطيها حقها؛ ولذلك فأنا سأؤجلها -بإذن الله- إلى المقال القادم، وبعدها سنعرض الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه الظروف الخطيرة.
إن قضية الشيعة ليست قضية هامشية في قصة الأمة الإسلامية، بحيث يطالب البعض بتركها أو تأجيلها.. إنها قضية تأتي في أولويات الأمة الإسلامية، ولقد رأى الجميع أن تحرير فلسطين من الصليبيين على يد صلاح الدين لم يكن إلا بعد تخليص مصر من الحكم الشيعي العبيدي، ولم يقل صلاح الدين عندها أن حرب الصليبيين أولوية تؤجِّل مسألة الحكم الشيعي لمصر، ذلك أن المسلمين لا ينتصرون إلا بعقيدة صافية، وجنود مخلصين، ولم يكن لصلاح الدين أنْ يأخذ شعب مصر ليقاتل معه في قضيته المصيرية إلا أن يرفع عن كواهلهم هذا الحكم البدعي العبيدي، وما ذكرناه في حق مصر أيام صلاح الدين نذكره في حق العراق الآن، وفي حق كل الدول المهدَّدة من الشيعة، ولا بُدَّ أن يكون لنا في التاريخ عِبْرة.
ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.د. راغب السرجاني
_________________________________________
[1] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (3451)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2533)، والترمذي (2221)، وأحمد (3594)، وابن حبان (7222)،
[2] رُوي مرفوعًا وهو ضعيف، والرواية من قول الصحابي جابر بن عبد الله.
[3] الترمذي: كتاب العلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (2676)، وابن ماجه (42)، وأحمد (17184).
[4] ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول 3/1058.
[5] المصدر السابق 3/1061.
[6] الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية ص49.
[7] ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول 3/1110.
[8] الخوميني: تحرير الوسيلة 1/352.
[9] طالع هذه الفتوى على هذا الرابط:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][10] انظر موقع الجزيرة، الرابط:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]موقفنا من الشيعــةراغب السرجاني
يتفنَّن بعض الإعلاميين في إيهام المسلمين أن قاصمة الظهر هي فتح ملفِّ الشيعة، على أساس أن المسلمين سُنَّة وشيعة، وأن الحديث عن هذه المشكلة سيقسِّم الأمّة الإسلامية إلى نصفين.
وهذا الكلام خطأ من وجهين..
أما الأول فهو أن الشيعة لا يمثلون من كيان الأمة الإسلامية إلا 11% فقط (150 مليونًا على مستوى العالم)، ومن الظلم البيِّن للأمة الإسلامية أن تتنازل عن ثوابتها من أجل الحفاظ على بقاء هذا العدد القليل داخل الكيان المسلم دون أن يُطالب هؤلاء الشيعة بالالتزام بضوابط الأمة الإسلامية العَقَدِيَّة والأخلاقية والتاريخية والسياسية.
وأما الوجه الثاني فهو ما ذكرناه في مقالنا السابق "خطر الشيعة" من أن الفتنة ليست نائمة ونحن نحاول إيقاظها، ولكن واقع الأمر أنّ الفتنة مشتعلة، بل شديدة الاشتعال، وآثارها تغلي في أكثر من بقعة من بقاع العالم الإسلامي، وفي مقدمتها العراق، فما الذي يجب أن نفعله ونحن نشاهد هذا النزيف المستمر لدماء المسلمين السُّنَّة هناك، وهذا التضييع السافر لمقدّرات دولة كبيرة، وهذا الإعداد الواضح لتهديد بلاد أخرى قريبة وبعيدة من دولة إيران الشيعية؟!
إننا نتكلم لنفهم جذور المشكلة، ومِن ثَم يمكن عندها أن نطرح حلولاً منطقية، أما بدون دراية للنشأة والجذور والمفاهيم والمناهج والأهداف والطموحات، فكيف لنا أن نتبرع برأي لحل المشكلة؟..
ولقد أبرزنا في مقالنا السابق طرفًا من خطر الشيعة المعاصرين على حاضر الأمة الإسلامية، وذكرنا على وجه التحديد خمسة أمور خطيرة يكفي كل واحد منها كمبرر لفتح هذا الملف، وبقوة.. وهذه الأمور الخمسة هي:
أولاً: الهجوم المستمر من الشيعة على الصحابة، حتى صار هذا الأمر وكأنه هو الأساس في الدين عندهم، وهو بغض ظاهرٌ جليٌّ تجاوز الحدود، حتى إننا في موقعنا الإلكتروني نتلقى بشكل دائم تعليقات تفيض بالكراهية والجحود من الشيعة على المقالات الخاصة بـ "أبي بكر وعمر وعثمان"، وعلى المقالات الخاصة بعموم الصحابة، فمجرَّد رؤية اسم صحابي يمثِّل للشيعة حساسية كبيرة، وردَّ فعلٍ عنيف، فكيف السكوت على مثل هذا التجني؟!، وذكرنا أن السكوت عن هذه الرذائل هو تضييع للدين لا يجوز لنا أن نفعله.
ثانيًا: خطر التشيُّع في بلاد العالم الإسلامي، سواء التشيع المباشر وتغيير العقيدة، أم انتشار الفكر الشيعي دون معرفة أن هذا يعني التشيع.
ثالثًا: إزهاق أرواح الآلاف المؤلفة من أهل السُّنَّة في العراق.
رابعًا: التهديد المباشر بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية على دولة العراق، وخدمة المصالح الأمريكية بهذا التوجُّه.
خامسًا: التهديد المباشر لدول المنطقة غير العراق، وذكرنا أمثلة من تهديد الشيعة للإمارات والبحرين والسعودية، ولا ندري هل المصلحة هي السكوت حتى تضيع هذه البلاد؟ أم الحركة الإيجابية السريعة لحفظ أمنها وأمانها؟
كانت هذه أمور خمسة فصَّلنا في الحديث عنها في مقالنا السابق "خطر الشيعة"، وندعو القُرَّاء إلى قراءة هذا المقال بشيء من التركيز لخطورته، كما ندعوهم إلى قراءة المقاليْن السابقيْن له، وهما "أصول الشيعة" و"سيطرة الشيعة"؛ حتى نأخذ فكرة كاملة عن الموضوع.
لكن هل هذه الأمور الخمسة هي كل شيء؟!
والإجابة المؤسفة: لا!
فخطورة الشيعة أكبرُ من ذلك، ومراجعةُ التاريخ تثبت أن تدهور الأوضاع قد يكون أبعدَ من التخيُّل، فلقد احتل العُبيديُّون الشيعة الإسماعيلية مصر، وظلوا أكثر من مائتي سنة متصلة، وهو شيء لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعه، لكنه حدث كما نعلم، ومن هنا كان التنبيه على هذه الخطورة أمرًا لازمًا وحتميًّا.
ولنكمل الآن معًا ما ذكرناه من أخطارٍ للشيعة في زماننا المعاصر..
سادسًا: التقارب الإيراني السوري وخطورته..
يظهر لنا بوضوح التقارب الشديد بين إيران وسوريا، ووجه الخطورة في ذلك هو الوضع الخطير الذي تعيشه سوريا، حيث تُحكم منذ ما يقرُب من أربعين سنة بالنُّصَيْريين (المعروفين بالعلويِّين)، وهم ينتمون إلى مؤسِّس مذهبهم أبي شعيب محمد بن نُصَير البصريّ (ت 270هـ)، الذي ادَّعَى النبوة، والذي ادعى أنّ عليًّا هو الله -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-.
ومع أن طائفة النُّصَيريين في سوريا لا تمثل أكثر من 10% من السكان إلا أنهم يسيطرون على الحكم تمامًا، ويفتحون المجال واسعًا للتشيُّع في الدولة، ومِن ثَم فاتصال ما يسمَّى بالهلال الشيعي من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان، يمثل حاجزًا خطيرًا في الأمة الإسلامية يعزل شرقها عن غربها، وينذر بتوسُّع قد لا نتخيل أبعاده.
سابعًا: هناك أمر خطير جدًّا يحتاج منا إلى وقفة حاسمة الآن، ولا يجوز لذلك أن نؤجِّل الحديث عن هذا الملف إلى وقت آخر، وهو فتنة المسلمين السُّنَّة برموز الشيعة الكبرى، وخاصة زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، ورئيس إيران أحمدي نجاد. وليس من جدال أن المواقف المعلنة من هذيْن الرمزين تمثِّل فتنة لكثير من المسلمين السُّنة، خاصةً في ظل غياب رموز موازية من زعماء الدول الإسلامية، والمحسوبين على السُّنة! ووجه الفتنة هو النجاح الذي حققه كل واحد منهما في قضيته، سواء في قضية حرب اليهود في حالة حزب الله، أو قضية بناء الدولة كما هي حالة الزعيم الإيراني. ومن هنا وجب علينا أن نلفت أنظار المسلمين السُّنَّة أن تحقيق النجاح في قضية من القضايا لا يعني صحة العقيدة، وسلامة المنهج، ومِن ثَم فلا يمكن أن نتغاضى عن كل شيء لكون الرجل قد حقق نجاحًا في أمرٍ ما، حتى لو كان عظيمًا، ولا ننسى أن الدولة العبيدية الشيعية الخبيثة قد حققت نجاحات عسكرية وسياسية أكبر من نجاحات إيران وحزب الله عشرات أو مئات المرات، ومع ذلك فنحن لا يمكن أن نتخذها قدوةً، بل إننا لا نتخذ زعيمًا علمانيًّا - ولو كان سُنِّيًّا - قدوةً ومثلاً؛ لأننا نؤمن أن القائد الإسلامي القدوة هو القائد الذي يحقق تكاملاً وتوازنًا وشمولاً في مجالات العقيدة والأخلاق والعلم والعمل، ويكون جهاده في سبيل الله، ونصرةً لدين الله الصحيح، وإرساءً للشريعة الإسلامية دون تحريف وتبديل.
ودعوني أوجِّه رسالة إلى الذين يحلمون بأن يحكُمُهم زعيمٌ شيعيٌ، ولو كان معتدلاً، أقول لهم: هل ستقبلون عندها الإيمان بالأئمة الاثني عشر الذين يدعون إليهم هؤلاء؟ وهل سنقبل عندها بالتخلي عن تاريخ الصحابة ومذاهبنا الفقهية وكتب السُّنة التي نثق بها؟ وهل نتوقع عند زعامة أحدهم أن تصبح مناهج التعليم على طريقتنا أم على طريقة الشيعة؟!
لقد أقام إسماعيل الصفويّ دولة قوية جدًّا في إيران، وبناها بشكل باهر من حيث الإدارة والتنظيم، ولكن ماذا فعل بهذه الدولة حين اكتملت معالمها؟! راجعوا مقال "سيطرة الشيعة" لتعلموا كيف استغلَّ قوته في ضرب الدولة العثمانية في ظهرها، وفي تشييع أهل العراق، وفي الاتحاد مع البرتغاليين ضد السُّنَّة العثمانيين.
إن الإسلام - يا إخواني وأخواتي - جملة واحدة.. لا يجوز لنا أن نأخذ منه جانبًا ونترك آخر.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]. فإذا أردنا أن نتخذ قدوة فلتكن متكاملة، وإنْ نقُص منها شيء فلا يمكن أن يكون هذا الشيء هو جانب العقيدة والمفاهيم، وإلاَّ فالعاقبة ستكون وخيمة، والضرر بالغًا.
ثامنًا: للأسف الشديد فإن روايات الشيعة قد تسرّبت بشكل شنيع في كتب التاريخ، ونحن إذا أردنا أن نقرأ التاريخ، ونستفيد به، فإنّه يلزمنا أن ننقحه مما أصابه من تزوير وتحريف، وهذه مهمَّة ضرورية، وواجب أساسي، وإلاّ ضاعت من بين أيدينا ثرواتٌ هائلة، بل وشوّهت سيرُ خيرِ النّاس، وأفضلُ القرون، وبداية الطريق أن نفهم خطورة الشيعة على كتب التاريخ، ومِن ثَم تنقية هذه الكتب من رواياتهم المزوَّرة، ثم استنباط الدروس والعِبَر بعد التأكُّد من صحة الروايات.. ولكي أنبّه على خطورة هذا الأمور فإنني قمتُ بإحصاء الروايات الواردة في شرح قصة موقعة صفين في تاريخ الطبري فوجدتها 113 رواية، ثم صُعقت عندما وجدت أن 99 رواية منها عبارة عن روايات شيعية حاقدة لا تهدف إلا لتشويه الصحابة، وهذه الروايات هي التي يتناقلها الشيعة، وكذلك المتأثرون بأفكارهم من جهلة الإعلاميين المحسوبين على السُّنَّة، وحُجَّتهم بأن الروايات موجودة في تاريخ الطبري، وهو من علماء السُّنة الأفذاذ، لكنهم لا ينظرون إلى السند الذي ذكره الطبري، وحتى لو نظروا إليه فهم لا يعرفون هذه الأسماء ولا يدرون عنها شيئًا؛ ومن ثَمَّ وجب تنقية كتب التاريخ من روايات الشيعة حتى يقرأ الناسُ تاريخ الأمّـة من مصادره الصحيحة.
تاسعًا: لا ينظر كثيرٌ من الناس إلى الواجب الذي علينا تجاه الشيعة!!، فهل من الحكمة أن نترك مائة وخمسين مليونًا من البشر يعتقدون هذه الاعتقادات الفاسدة دون أن ننبههم إلى خطورة ما هم عليه من أفكار ومعتقدات؟!
ألا يحتاج هؤلاء إلى تعليم وتوضيح وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر؟!، ألن يكون هناك سؤال لنا يوم القيامة مِنْ ربِّ العالمين عن موقفنا عندما رأينا من يدين بالمعتقدات التي أشرنا إلى بعضها في مقال "أصول الشيعة"؟!
لقد أرسل إلينا بعض الشيعة تعليقات على هذه المقالات يتوجهون فيها إلى الله بأن يعاقبني بأن يحشرني مع أبي بكر وعمر!!، ومع سعادتي بأنّ هناك من يتمنى لي أن أُحشر مع أبي بكر وعمر إلا أنني كنت حزينًا جدًّا عليهم حيث جعلوا من أنفسهم أعداءً لهذيْن العملاقيْن الجبلين اللذين اصطفاهما ربُّ العالمين لصحبة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.. إنني أشعر أنه من ألزم واجبات الدعاة والعلماء أن يشرحوا لهؤلاء خطورة ما هم عليه، فلا شكَّ أن فيهم المنصف الذي إنْ وصلت إليه المعلومةُ الصحيحة فإنه سيقبل الحق مهما واجه من صعوبات.
عاشرًا: مَن يدافع عن السُّنَّة المساكين الذين يعيشون في إيران الآن؟! هل تدرون ما عددهم؟! إنهم يصلون إلى عشرين مليونًا!!، أي يمثلون ما يقرب من 30% من السكان، ومع ذلك فليس هناك وزير واحد منهم في الحكومة الإيرانية، وعددهم في البرلمان أقل من 10%، ويجاهد مليون سُنِّي في العاصمة طهران لإنشاء مسجد واحد لهم لكنهم فشلوا في ذلك حتى الآن، فضلاً عن القمع المباشر لكل المطالبين بالحقوق، وقد وصل القمع إلى تدمير المساجد السُّنِّية، ومن أشهر هذه الحوادث تدمير مسجد الشيخ فيض في خراسان سنة 1994م/ 1414هـ[1]، ثم تدمير المسجد الجامع بولاية بلوشستان مع قتل أكثر من مائتي شابٍّ من السُّنة اعتصموا بالمسجد احتجاجًا على تدمير مسجد الشيخ فيض[2].
وغنيٌّ عن الذكر والبيان أن مناهج التعليم التي يدْرُسها عشرون مليونًا من السُّنَّة في إيران لا تتوافق مع عقائد السُّنة ومبادئهم، إنما هي على أفكار الشيعة وبدعهم.
إنها - للأسف الشديد - أزمة كبيرة يعيشها السُّنة في إيران، وكلنا يرى أنهم لا بواكي لهم، فهل نسكت جميعًا عن مشاكلهم ومشاكل السُّنة في العراق، أم نتكلم لعلَّ الله أن يوقظ قلبًا يستطيع أن يفعل شيئًا؟!
إن هذه هي بعض أخطار الشيعة التي تظهر لنا.. فتلك عشرة كاملة!
هل يرى إخواني وأخواتي أن من الحكمة أن نسكت؟!
هل يرى المتعقِّلون من المحللين أنّ أضرارَ الكلام أكبرُ من أضرار الواقع الذي نعيشه بالفعل، والذي عدَّدنا في هذا المقال والمقال الذي قبله، عشرة منها؟!
ومع ذلك فليس الهدف من وراء هذه المقالات أن نحمل سلاحًا، ونواجه به شيعة إيران أو العراق أو سوريا أو لبنان.. وليس الهدف من هذه المقالات أن نستنتج أن خطر الشيعة أكبر من خطر اليهود.. إنما نهدف من هذه المقالات أن نفهم الأوضاع على حقيقتها، وعندها يتفق العقلاء من أهل السُّنة على الموقف الأحْكَمَ والأنسب بعد معرفة الحقائق..
إن الملايين ممّنْ يتطوع بإبداء الرأي في كثير من المشاكل المعقدة، لا يعرف شيئًا البتَّة عن القضية التي يتكلم فيها، إنما يتكلم من منطلق العاطفة فقط، ويسطِّر أحلامه على أنها حقائق سيتجه المخلصون إلى تطبيقها.
إذًا بعد هذه المعلومات الدامية، ما هو موقفنا من ملف الشيعة؟!
أولاً: يرى جمهور العلماء أن عموم الشيعة الاثني عشرية مسلمون، ولكنهم مسلمون منحرفون مبتدعون، ومِن ثَم فإنهم يُجرون عليهم أحكام الإسلام بشكل عام من حيث التزاوج والميراث والدفن والقضاء والطعام وسائر المعاملات، ومن ثَم أيضًا يُسمح لهم بالحج والعمرة ودخول الأراضي المقدسة المحرَّمة على غير المسلمين، لكن كل هذا لا يلغي شدة الانحراف الذي هم عليه، والذي يحتاج إلى إصلاح وتقويم، بل يحتاج إلى أحكام وقوانين، وهذا مجال أسهم فيه علماء الأمة بكثيرٍ من التفصيلات ليس المجال يسمح بشرحها.
ويرى جمهور العلماء أيضًا أن هناك من طوائف الشيعة من يَكْفُر، وعلى رأس هذه الطوائف مثلاً الإسماعيلية والنُّصَيرية وغير ذلك من المذاهب الملحدة.
ثانيًا: بناء على هذا الانحراف الشديد الذي تعانيه المناهج الشيعية فإننا نستطيع أن نقطع باستحالة التقريب العقائدي والفقهي بينهم وبين المسلمين السُّنة؛ فالشيعةُ ليست مذهبًا من المذاهب كما يعتقد البعض، إنما هي انحراف عن الطريق المستقيم، وأيُّ تقريبٍ بين الطريق المستقيم وبين الانحراف ما هو إلا انحراف أيضًا ولكن بدرجة أقل، وهذا ليس مقبولاً البتَّة في الشريعة الإسلامية، وهل يعني التقريب أن نقبل بسبِّ بعض الصحابة دون غيرهم؟ وهل يعني التقريب الإيمان ببعض الأئمة الاثني عشر دون غيرهم؟ وهل يعني التقريب الأخذ عن البخاري ومسلم وترك الترمذي وأبي داود؟ وهل يعني التقريب أن نحلَّ زواج المتعة في بعض الظروف؟ وهل يعني التقريب التغاضي عن اضطهاد بعض السُّنة في إيران والعراق ولبنان وسوريا، وعدم التغاضي عن اضطهاد آخرين؟
إن الطريق - يا إخواني وأخواتي - مسدودٌ مسدود!!
وأيُّ محاولات للتقريب العقائدي والفقهي بين الشيعة والسُّنة ما هي إلا محاولات لتبديل الدين وتحريفه، وهذا ما لا ينبغي أن نسعى إليه.. وليراجع الجميع مواقف العلماء الذين سعوا إلى التقريب في فترة من فترات حياتهم ثم اكتشفوا استحالة ذلك مع كثرة المحاولات، ولعلَّنا نخص بالذكر هنا العلاَّمة السوري الكبير الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، والذي أعلن في كتابه (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) فشل كل هذه المحاولات، بل قال بالحرف الواحد: "... كأن المقصود من دعوة التقريب، هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة!!"[3]، كما سار في نفس الطريق ووصل إلى نفس النتيجة العلاّمة الجليل الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله.
ثالثًا: لا ينبغي أن نقف عند مرحلة الإنكار على عقائد الشيعة ومناهجهم، بل ينبغي أن نحصِّن أهل السُّنة بالعلم النافع الذي يحفظهم من السقوط في هاوية المعتقدات الفاسدة، وعلى العلماء والدعاة أن ينشطوا بشكل كبير في تعريف أهل السنة بدينهم الصحيح، وقصة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الأجِلاَّء، كما ينبغي أن نستفيد من التراث التاريخي الهائل الذي تمتلكه الأمة، وليعلم الجميع أن الأمّة التي لا تُحسن قراءة تاريخها لن تستطيعَ صياغة مستقبلها.
رابعًا: لا بُدَّ أيضًا ألاّ نخجل أو نخاف من طرح الشُّبهات التي يثيرها الشيعة هنا وهناك، ولا ينبغي لنا أن نضع رءوسنا في التراب ظنًّا منا أنّ السكوت عن الكلام في ملف الشيعة سيخرسُ الألسنة، بل لا بُدَّ أن نتكلم فيه وبشجاعة؛ فالمسألة مسألة عقيدة، والقضية قضية تقويم انحراف، وتعديل سلوك، ومن هنا فيجب علينا طرح القضايا التاريخية المعقَّدة التي يَلِجُ فيها الشيعة بضراوة، وأن نشرح هذه القضايا من منظورنا الإسلامي الصحيح. كما يجب توضيح حُبِّ أهل السُّنَّة لآل البيت، وتقديرهم لهم، وأن الوهم الذي يسيطر به الشيعة على أذهان الناس من كونهم يعظِّمون أهل البيت بشكل أكبر هو وهمٌ كاذب، وإلاّ فكيف يرضى آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتحريف منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!
خامسًا: ينبغي أيضًا أن نتوجَّه إلى الشيعة بالدعوة الصادقة والنصيحة المخلصة، أن يعودوا إلى التحقيق العلمي النزيه ليقرءوا تاريخهم وعقائدهم؛ ليتبيَّنُوا أن سند الروايات عندهم في غاية الضعف والانقطاع، وأن الكثير من مناهجهم وأفكارهم قد وُضعت في القرن الثالث الهجري، ولم يكن لها أصلٌ قبل ذلك. ونحن على يقين أن المخلص منهم سيهديه الله U إلى الطريق القويم، وما ذلك على الله بعزيز.
سادسًا: على الدول العربية والإسلامية، بل على الجاليات المسلمة في البلاد الغربية، أن تَحْذَرَ حذرًا شديدًا من خطورة التشيُّع الذي ينمو بشكل متزايد. وكما وضّحنا فإن هذا التشيُّع هو انحراف عن جادَّة الصواب، ومن هنا كان ينبغي الانتباه الشديد لهذا الأمر، خاصةً في البلاد التي تتعرض للتشيُّع بشكل مكثف مثل البحرين والإمارات والسعودية والأردن.
سابعًا: على المسلمين السُّنة في نقاط التَّماسّ في العراق وإيران ولبنان أن يأخذوا حذرهم، وأن يوحِّدوا كلمتهم، وأن يتواصلوا مع إخوانهم من أهل السُّنة في العالم الإسلامي، وأن يتكاتفوا في حماية أنفسهم من المخاطر التي يتعرضون لها، وأن ينشطوا في الجانب الإعلامي الذي يشرح حالتهم، ويبيِّن أوضاعهم، ويسهِّل مساعدتهم.
ثامنًا: لا نمانع من إمكانية التعايش السلمي بين السنة والشيعة، وعدم تعدي طرف على طرف، بل عدم الدخول في المناطق الملتهبة من الصراع الفكري والعَقَديّ، على أن يكون هذا متبادلاً بين الطرفين، ولا يكون هذا يعني إعطاء كل الحقوق للشيعة في العراق مع تهميش السُّنة، سواءٌ في العراق أو إيران.
تاسعًا: التقارب السياسي بين بعض الجماعات السياسية السنية والشيعية في بعض الأمور أمر وارد، ولكن مع الحذر الشديد من حدوث انهيار التقارب كما هو المعتاد في التاريخ لمثل هذه العَلاقات، كما ينبغي الحذر التام من أي تنازل عن مبدأ عقائدي أو شرعي في سبيل هذا التقارب، وليكن هذا التقارب مشروطًا بظروف خاصَّة، ومصالح مشتركة معينة، ولا يكون مطلقًا حتى لا يُحدِث بلبلة في الصف، واضطرابًا في الفهم.
عاشرًا: دعوة إلى حكام المسلمين أن يكونوا على قدر المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتقهم، فإنَّ المسلمين السُّنة ما لجئوا إلى دعاوى التقريب، وما انبهروا بالأمثلة الشيعية إلا لغياب الحكّام المسلمين عن الساحة.. ولقد رأينا مدى التعاطف السُّنِّي مع أردوجان في موقفه من اليهود، ومن رئيس وزراء الدنمارك؛ للدلالة على احتياج الشارع السُّني لرمزٍ يقفون وراءه، فأسأل الله عز وجل أن يريكم الحق حقًّا ويرزقكم اتّباعه، وأن يريكم الباطل باطلاً ويرزقكم اجتنابه.
كانت هذه هي النقطة العاشرة في رؤيتنا لهذا الملف الخطير، فتلك عشرة كاملة..
وأنا على يقين أن هناك العشرات والمئات، بل الآلاف، من الأسئلة التي لم نتمكن من الإشارة لها في هذه المقالات العاجلة، ولكننا نهدف إلى فتح الأبواب فقط، وتوضيح الرؤية، أما التفصيل والشرح والاستقصاء والحصر، فإننا نحتاج إلى دراسات وبحوث، نسأل الله أن يوفِّق علماء المسلمين إلى القيام بها، وتبيينها لعموم الناس {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].
حَفِظَ الله أمة الإسلام من كلّ سُوءٍ، وأنار طريقها المستقيم، ورزقها من الخير كله عاجله وآجله..
ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
د. راغب السرجاني
_______________________________________________
[1] طالع هذه المأساة على هذا الرابط:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][2] طالع معاناة أهل السنة في إيران على هذا الرابط:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][3] مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص24، طبعة دار الوراق - المكتب الإسلامي.
من موقع طريق الاسلام